كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قوله في بعض الطرق لمسلم كان يسمع بكاء الطفل مع أمه وفي معناه ما لو كان الصبي في بيت أمه وأمه في المسجد في الصلاة وهذا من كريم عوائده ومحاسن أخلاقه وشفقته على أمته ‏{‏وكان بالمؤمنين رحيماً‏}‏ وقد خصه اللّه من صفة الرحمة بأتمها وأعمها وذكر الأم غالبي فإنه كان أرحم الناس بالصبيان فمثلها من قام مقامها كحاضنته أو أبيه مثلاً والقصد به بيان الرفق بالمقتدين وفيه إيذان بفرط رحمة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم فإنه قوي عليه باعث الرحمة لأمه وغلبه مع علمه بأن بكاء الطفل وصراخه ينفعه كما قال ابن القيّم ‏[‏ص 18‏]‏ نفعاً عظيماً فإنه يروض أعضاءه ويوسع أمعاءه ويفتح صدره ويسخن دماغه ويحمي مزاجه ويثير حرارته الغريزية ويحرك طبيعته لدفع ما فيها من الفضول ويدفع فضلات الدماغ إلى غير ذلك مما هو معروف مشهور قيل وفيه أن الإمام إذا أحس بداخل وهو في ركوعه أو تشهده الأخير له انتظار لحوقه راكعاً ليدرك الركعة أو قاعداً ليدرك الجماعة لأنه إذا جاز له أن يقصر صلاته لحاجة غيره في أمر دنيوي فللعبادة أولى وفيه جواز صلاة النساء مع الرجال في المسجد وإدخال الصبيان وإن كان الأولى تنزيهه عنه والرفق بالمأموم والإتباع وإيثار تخفيف الصلاة لأمر حدث وإن كان الأفضل في تلك الصلاة التطويل كالصبح‏.‏

- ‏(‏حم ق د ه عن أنس‏)‏

2641 - ‏(‏إني سألت ربي‏)‏ أي طلبت منه ‏(‏أولاد المشركين‏)‏ أي العفو عنهم وأن لا يلحقهم بآبائهم ‏(‏فأعطانيهم خدماً لأهل الجنة‏)‏ في الجنة ثم علل كونهم في الجنة المستلزم لعدم دخولهم النار للخلود بقوله ‏(‏لأنهم لم يدركوا ما أدرك آباؤهم من الشرك‏)‏ فلا يكونون في النار معهم ‏(‏ولأنهم في الميثاق الأول‏)‏ أي قبضوا وهم على حكمهم في قوله ‏{‏ألست بربكم قالوا بلى‏}‏ قال الحكيم‏:‏ فهم خدم أهل الجنة لأنهم لم يستوجبوا الجنة بقول ولا عمل وساروا إلى الآخرة وليس بأيديهم مفتاح الجنة وهو الشهادة ولم يدركوا العمل فيستوجبوا الجنة لأنها ثواب الأعمال وقد كانوا في الميثاق فجاز أن يدخلوها فأعطوا خدمة أهلها بشفاعة نبينا صلى اللّه عليه وسلم‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي عن ‏(‏أنس‏)‏ إطلاق المصنف عزوه إليه غير سديد فإنه إنما ساقه بلفظ يروى عن أنس ولم يذكر له سنداً‏.‏

2642 - ‏(‏إني لا أشهد على جور‏)‏ أي ميل عن الاعتدال فكلما خرج عن الاعتدال فهو جور حراماً أو مكروهاً وهذا قاله لمن خص بعض بنيه وجاء يستشهده وقال عياض‏:‏ وفيه أنه يكره لأهل الفضل الشهادة فيما يكره وإن جاز‏.‏

- ‏(‏ق ن‏)‏ عن النعمان بن بشير‏.‏

2643 - ‏(‏إني عدل لا أشهد إلا على عدل‏)‏ سببه ما تقرر من استشهاده على ما خص به ولده، وبه وبما قبله تمسك أحمد على أن تفضيل بعض الأولاد في الهبة حرام والجمهور على كراهيته لقوله في رواية‏:‏ أشهد على هذا غيري ولو كان حراماً لم يأمر باستشهاد غيره عليه‏.‏

- ‏(‏ابن قانع‏)‏ في المعجم ‏(‏عنه‏)‏ أي عن النعمان ‏(‏عن أبيه‏)‏ بشير الأنصاري‏.‏

2644 - ‏(‏إني لا أخيس‏)‏ بكسر الخاء المعجمة وسكون المثناة التحتية ‏(‏بالعهد‏)‏ أي لا أنقضه ولا أفسده قال الزمخشري‏:‏ خاص بالعهد أفسده من خاس للطعام إذا فسد وخاس بوعده أخلفه ‏(‏ولا أحبس‏)‏ بحاء وسين مهملتين بينهما موحدة ‏(‏البرد‏)‏ أي لا أحبس الرسل الواردين علي، قال الزمخشري‏:‏ جمع بريد وهو الرسول‏.‏ قال الطيبي‏:‏ والمراد بالعهد هنا العادة الجارية المتعارفة بين الناس أن الرسل لا يتعرض لهم بمكروه لأن في تردد الرسل مصلحة كلية فلو حبسوا أو تعرض لهم بمكروه كان سبباً لانقطاع السبل بين الفئتين المختلفتين وفيه من الفتنة والفساد ما لا يخفى على ذي لب‏.‏

- ‏(‏حم د‏)‏ ‏[‏ص 19‏]‏ في الجهاد ‏(‏ن‏)‏ في السير ‏(‏حب ك‏)‏ كلهم ‏(‏عن أبي رافع‏)‏ مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ بعثتي قريش إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلما رأيته ألقى في قلبي الإسلام وقلت لا أرجع إليهم فذكره ثم قال‏:‏ ولكن ارجع إليهم فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع قال‏:‏ فذهبت ثم أتيته فأسلمت‏.‏

2645 - ‏(‏إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي‏)‏ أي بالنبوة قيل هو الحجر الأسود وقيل البارز بزقاق المرفق وعليه أهل مكة سلفاً وخلفاً وكان ذلك ‏(‏قبل أن أبعث‏)‏ أي أرسل وقيد به لأن الحجارة كلها كانت تسلم عليه بعد البعث كما روي عن عليِّ كرم اللّه وجهه، فإن قيل‏:‏ ما حكمة إلقاء هذا الحديث بصورة التأكيد بإن والجملة الاسمية وليس المقام مقام إنكار‏؟‏ قلنا‏:‏ قد يكون علم منهم الغفلة عن مثل هذا في ذلك الوقت فأراد التنبيه عليه بتنزيلهم منزلة الغافلين عنه كما في قوله سبحانه ‏{‏ثم إنكم بعد ذلك لميتون‏}‏ ولم ينكر أحد الموت لكن لما غلبت الغفلة عنه حسن أو بالنظر إلى غيرهم لأنه أمر مستغرب فهو في مظنة الإنكار فإن قيل‏:‏ محصول الخبر إفادة العلم بعرفانه حجراً كان يسلم وهو وهم كانوا يعلمون سلام الحجر وغيره عليه فلم خصه قلنا‏:‏ يحتمل أنه حجر ذو شأن عظيم ولهذا نكره تنكير تعظيم ومن ثم قيل هو الحجر الأسود كما تقرر وبهذا المعنى يلتئم مع خبر عائشة لما استقبلني جبريل بالرسالة جعلت لا أمر بحجر ولا مدر ولا شجر إلا سلم عليَّ قال ابن سيد البأس‏:‏ وهذا التسليم يحتمل كونه حقيقة بأن أنطقه اللّه كما أنطق الجذع وكونه مضافاً إلى ملائكة عنده من قبيل ‏{‏واسأل القرية‏}‏ قال غيره‏:‏ والصحيح الأول معجزة له كإحياء الموتى معجزة لعيسى عليه الصلاة والسلام اهـ والأول هو ما عليه قاطبة أهل الكشف ومعنى سماعه سلامه أنه فتح سمعه لإدراك سلامه فقد قال ابن عربي‏:‏ فتح سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن حضر من أصحابه لإدراك تسبيح الحصى في كفه قال‏:‏ وإنما قل فتح سمعه لأن الحصى ما زال منذ خلق مسبحاً بحمد موجده فكان خرق العادة في الإدراك السمعي لا فيه وفي الروض الأنف الأظهر أن هذا التسليم حقيقة وأنه تعالى أنطقه إنطاقاً كما خلق الحنين في الجذع لكن ليس له شرط الكلام الذي هو صوت وحرف الحياة والعلم والإرادة لأن الصوت عرض عند الأكثر ولم يخالف فيه إلا النظام وجعله الأشعري اصطكاك الجواهر بعضها ببعض ولو قدرنا الكلام صفة قائمة بنفس الحجر والصوت عبارة عنه لم يكن بد من شرط الحياة والعلم مع الكلام واللّه أعلم أي ذلك كان أكان مقروناً بحياة وعلم فيكون الحجر به مؤمناً أم كان صوتاً مجرداً‏؟‏ وأيا ما كان هو من إعلام النبوة وقال القرطبي‏:‏ الصحيح من مذهب أئمتنا أن كلام الجماد راجع إلى أنه تعالى يخلق فيه أصواتاً مقطعة من غير مخارج يفهم منها ما يفهم من الأصوات الخارجة من مخارج الفم وذلك ممكن في نفسه والقدرة القديمة لا قصور فيها‏.‏

- ‏(‏حم م ت عن جابر بن سمرة‏)‏ قال في المنار‏:‏ سكت عليه ولم يبين أنه من رواية سماك بن حرب انتهى ولفظ رواية مسلم إني لأعرف حجراً كان يسلم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن فقوله إني إلخ لعله سقط من قلم المؤلف‏.‏

2646 - ‏(‏إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر‏)‏ بن صيفي الأنصاري الأوسي المعروف بغسيل الملائكة كان أبوه في الجاهلية يعرف بالراهب واسمه عمرو وقيل عبد عمرو كان يذكر البعث ويحث على دين الحنيفية فلما بعث المصطفى صلى اللّه عليه وسلم عانده وحبسه وخرج إلى مكة ورجع مع قريش يوم أحد محارباً فسماه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الفاسق ثم رجع لمكة فأقام بها فلما فتحت هرب إلى الروم فمات بها كافراً وأسلم ابنه حنظلة فحسن إسلامه حتى أنه استأذن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم في قتل أبيه فنهاه واستشهد بأحد جنباً فلذلك رأى الملائكة تغسله ‏(‏بين ‏[‏ص 20‏]‏ السماء والأرض‏)‏ أي في الهواء ‏(‏بماء المزن‏)‏ أي المطر ‏(‏في صحاف الفضة‏)‏ وكان قتله شداد بن الأسود وذلك أنه التقى هو وأبو سفيان بن حرب فاستعلى حنظلة عليه ليقتله فرآه شداد فعلاه بالسيف حتى قتله وقد كاد يقتل أبا سفيان فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ إن صاحبكم لتغسله الملائكة فسلوا صاحبته فقالت‏:‏ خرج وهو جنب لما سمع الهاتف فقال‏:‏ لذلك غسلته الملائكة وكفى بهذا شرفاً وذا لا ينافيه الأخبار الناهية عن غسل الشهيد لأن النهي وقع للمكلفين من بني آدم‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏عن خزيمة‏)‏ بالتصغير ‏(‏بن ثابت‏)‏ الأوسي ذي الشهادتين من كبار الصحابة شهد بدراً وقتل مع علي بصفين‏.‏

2647 - ‏(‏إني أحدثكم‏)‏ لفظ رواية الطبراني محدثكم ‏(‏الحديث فليحدث الحاضر‏)‏ عندي ‏(‏منكم الغائب‏)‏ عني فإن بالتحديث يحصل التبليغ ويحفظ الحديث وفيه وجوب تبليغ العلم وهو الميثاق المأخوذ على العلماء‏.‏

- ‏(‏طب عن عبادة بن الصامت‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ رجاله موثقون‏.‏

2648 - ‏(‏إني أشهد‏)‏ بضم الهمزة وكسر الهاء ‏(‏عدد تراب الدنيا أن مسيلمة كذاب‏)‏ في جرأته على اللّه تعالى ودعواه النبوة، قيل للأحنف‏:‏ كيف وجدت مسيلمة قال‏:‏ ما هو بنبي صادق ولا بمتنبي حاذق قال الحرالي‏:‏ والعدد اعتبار الكثرة بعضها ببعض‏.‏

- ‏(‏طب عن وبر‏)‏ بالتحريك بضبط المصنف ‏(‏الحنفي‏)‏ بفتح المهملة والنون نسبة إلى بني حنيفة بطن كثير عامتهم كانوا باليمامة ووبر في الصحابة اثنان وبر بن مسهر له وفادة من جهة مسيلمة الكذاب فأسلم ووبر بن خنيس الخزاعي وظاهره أن المراد هنا الأول‏.‏

2649 - ‏(‏إني لأبغض‏)‏ بضم الهمزة وغين معجمة مكسورة ‏(‏المرأة تخرج من بيتها تجر ذيلها تشكو زوجها‏)‏ يحتمل إلى القاضي ويحتمل إلى الناس كالأهل والجيران والأصهار والمعارف والحمل على الأعم أتم فيكره لها شكواه ولو محقة بل عليها الملاطفة والصبر ما أمكن، نعم لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فلا لوم على شكواها إذا فعل بها ما لا يجوز شرعاً ولم ينجع فيه غير الشكوى‏.‏

- ‏(‏طب عن أم سلمة‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ فيه يحيى بن يعلى وهو ضعيف وقال غيره‏:‏ وفيه أبو هشام الرافعي قال الذهبي في الضعفاء‏:‏ قال البخاري‏:‏ رأيتهم مجمعين على ضعفه ويحيى بن يعلى الأسلمي لا التيمي قال الذهبي‏:‏ ضعفه أبو حاتم وغيره وسعد الإسكاف تركوه واتهمه ابن حبان‏.‏

2650 - ‏(‏إني لم أبعث بقطيعة رحم‏)‏ أي قرابة لأنه تعالى أكد وصلها وحظر قطعها وأخبر سبحانه فيما رواه الطبراني وغيره عن جرير مرفوعاً بأنه شق لها أسماء من اسمه وأن من وصلها وصله ومن قطعها قطعه‏.‏

- ‏(‏طب عن حصين‏)‏ مصغراً بمهملتين ‏(‏ابن دحدح‏)‏ بمهملتين كجعفر الأنصاري الأوسي قال الذهبي‏:‏ له حديث رواه عروة بن سعيد عن أبيه عنه وفي الإصابة قال البخاري وابن أبي حاتم‏:‏ له صحبة وقال ابن حبان‏:‏ يقال له صحبة وفي الجمهرة لابن الكلبي قتل بالعذيب وقيل بالقادسية‏.‏

2651 - ‏(‏إني أحرّج‏)‏ لفظ رواية البيهقي أحرم ‏(‏عليكم‏)‏ أيها الأمة ‏(‏حق الضعيفين‏)‏ أي ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيعهما فأحذره من ذلك تحذيراً بليغاً وأزجره زجراً أكيداً ذكره النووي وقال غيره‏:‏ أضيقه وأحرمه على من ظلمهما قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز وقع في الحرج وهو ضيق المأثم وأحرجني فلان أوقعني في الحرج وحرجت الصلاة على الحائض والسحور على الصائم لما أصبح أي حرما وضاق أمرهما وظلمك على حرج أي حرام ‏[‏ص 21‏]‏ ضيق وتحرج فلان من كذا أي تأثم وحلف بالمحرَّجات أي بالطلاق الثلاث ‏(‏اليتيم والمرأة‏)‏ وجه تسميتهما بالضعيفين ظاهرة بل محسوسة وقد مر ذلك مبسوطاً فراجعه‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الإيمان ‏(‏هب‏)‏ كلاهما ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال‏:‏ كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول ذلك على المنبر أي في الخطبة قال الحاكم‏:‏ على شرط مسلم وأقره الذهبي لكن فيه أبو صالح كاتب الليث ضعيف ومحمد بن عجلان أورده الذهبي في الضعفاء وقال‏:‏ ذكره البخاري في الضعفاء وقال الحاكم‏:‏ سيء الحفظ وسعيد بن أبي سعيد المقبري قال الذهبي‏:‏ لا يحل الاحتجاج به وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد رواه النسائي عن خويلد بن عمرو الخزاعي مرفوعاً بلفظ اللّهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة قال في الرياض‏:‏ وإسناده حسن جيد فلو عزاه المؤلف إليه كان أولى‏.‏

2652 - ‏(‏إني رأيت‏)‏ أي في النوم كما جاء مصرحاً به في رواية مالك ‏(‏البارحة عجباً‏)‏ أي شيئاً يتعجب منه إذ البارحة أقرب ليلة مضت قالوا‏:‏ وما هو يا رسول اللّه قال‏:‏ ‏(‏رأيت رجلاً من أمتي‏)‏ أي أمة الإجابة وكذا فيما بعده ‏(‏قد احتوشته ملائكة العذاب‏)‏ أي احتاطت به الملائكة الموكلون بالتعذيب من كل جهة يقال احتوش القوم بالصيد أقاموا به وقد يتعدى بنفسه فيقال احتوشوه ‏(‏فجاء‏)‏ إليه ‏(‏وضوءه‏)‏ يحتمل الحقيقة بأن يجسد اللّه ثواب الوضوء ويخلق فيه حياة ونطقاً والقدرة صالحة ويحتمل أنه مضاف إلى الملك الموكل بكتابة ثواب الوضوء وكذا يقال فيما بعده ‏(‏فاستنقذه من ذلك‏)‏ أي استخلصه منهم يقال أنقذته من الشر إذا خلصته منه فنقذ نقذاً من باب تعب تخلص والنقذ بفتحتين ما أنقذته كذا في المصباح وغيره، يعلمك في هذا الحديث بأن من فوائد الوضوء وثمراته لمداوم عليه إذا توجه عليه عذاب القبر بما اكتسبه من الأدناس والآثام يأتيه وضوءه فينقذه منه فالمقصود الحث على إدامة الوضوء ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي يأتي على النبيين‏)‏ أراد به ما يشمل المرسلين بدليل نصه الآتي على أنه كان معهم ‏(‏وهم حلق حلق‏)‏ بفتحتين على غير قياس كما في الصحاح كغيره أي دوائر دوائر قال الزمخشري‏:‏ حلق حلقة إذا أدار دائرة وقال الأصمعي‏:‏ الجمع حلق بالكسر كسدرة وسدر وقصعة وقصع وحكى يونس عن أبي عمرو بن العلاء أن الحلقة بالفتح لغة السكون قال ثعلب وكلهم يجيزه على ضعفه ‏(‏كلما مر على حلقة طرد‏)‏ أي أبعد ونحي وقيل له اذهب عنا قال في الصحاح‏:‏ طرده أبعده وأطرد الرجل غيره طريداً أو أطرده نفاه عنه وقال له اذهب عنا وطرده السلطان عن البلد مثل أخرجه منه وزناً ومعنى ‏(‏فجاء اغتساله من الجنابة فأخذه بيده فأجلسه إلى جنبي‏)‏ فيه تنويه عظيم بفضل الغسل من الجنابة حيث رفع صاحبه وأجلسه بجانب صدر الأنبياء وعظيم الأصفياء ولم يكتف بإدخاله حلقة من الحلق قال جدي رحمه اللّه‏:‏ والاغتسال من الجنابة بقية من دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال الحكيم‏:‏ فالجنابة إنما سميت جنابة لأن الماء الذي جرى من صلبه كان جارياً في الأصل من مياه الأعداء في ظهر آدم فأصابته زهومة تلك المياه بجوازه وممره من الصلب إلى مستقر العدو في الجوف ومستقره في المعدة في موضع الجنب فإذا خرج من العبد في يقظته أو نومه أوجب غسلاً وإذا خرج عند خروج روحه أوجبه ولذلك يغسل الميت فالغسل تطهير من أثر العدو والجنب ممنوع من القراءة لأن الطهارة مقصودة وآثار العدو موجودة وهذا الرجل لو لم يغتسل في الدنيا لمنعه فقد طهارته الوصول إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي قد بسط عليه‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏عذاب القبر‏)‏ أي نشر عليه الملائكة الموكلون بإقامة عذاب القبر وعموه به يقال بسط الرجل الثوب بسطاً نشره وبسط يده مدها منشورة وبسطها في الإنفاق جاوز القصد قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز بسط عليهم العدل والعذاب وبسط لنا يده أو لسانه بما نحب أو بما نكره ‏(‏فجاءته صلاته‏)‏ أي ثوابها أو الملك الموكل بها ‏(‏فاستنقذته من ذلك‏)‏ أي خلصته من عذاب

‏[‏ص 22‏]‏ القبر وذلك لأن العذاب إنما يقصد العبد الآبق الهارب من اللّه وأهل الصلاة كلما عادوا إلى اللّه في وقت كل صلاة فوقفوا بين يديه نادمين متعوذين مسلمين نفوسهم إليه مجددين لإسلامهم يترضونه بالتكبير والتسبيح والتحميد والتهليل والركوع والسجود والرغبة والرهبة والتضرع في التشهد فيسقط عنهم عيوب إباقهم فزالت العقوبة التي استوجبوها والقصد بذلك الحث على الاهتمام بالصلاة ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين‏)‏ جمع شيطان من شطن بعد عن الحق أو عن الرحمة على ما سبق ‏(‏فجاءه ذكر اللّه‏)‏ أي ثواب ذكره الذي كان يقوله في الدنيا أو ملائكته ‏(‏فخلصه منهم‏)‏ أي سلمه ونجاه من فتنتهم فقال خلص الشيء من التلف خلوصاً من باب قعد وخلاصاً ومخلصاً سلم ونجا وخلص من الكدر صفا فالشيطان وجنده قد أعطوا السبيل إلى فتنة الآدمي وتزيين ما في الأرض له طمعاً في إغوائه فهو يوصل الزينة إلى النفوس ويهيجها تهييجاً يزعزع أركان البدن ويستفز القلب حتى يزعجه عن مقره فلا يعتصم الآدمي بشيء أوثق ولا أحصن من الذكر لأن الذكر إذا هاج من القلب هاجت الأنوار فاشتعل الصدر بنار الأنوار فإذا رأى العدو ذلك ولى هارباً وخمدت نار الشهوة التي يهيجها وامتلأ الصدر نوراً فبطل كيده ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشاً‏)‏ أي يخرج لسانه من شدة العطش ‏(‏فجاءه صيام رمضان‏)‏ فيه الحمل السابق ‏(‏فسقاه‏)‏ حتى أرواه فهذا عبد اتبع هواه وأمعن في شهواته حتى بعد عن الرحمة عطش وإذا عطش يبس وإذا يبس قسا ‏{‏فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه‏}‏ وبالرحمة يرطب القلب ويروى والصيام ترك الشهوات ورفض الهوى وإنما جعل الحوض لأهل الموقف لأنهم يقومون من القبور عطاشاً لأنهم دخلوها مع الهوى والشهوة ثم لم يفارقوها إلا بمفارقة الروح ومن ترك الهوى والشهوة سكن عطشه وروى برحمة اللّه وخرج من قبره إلى اللّه رياناً فأولئك الذين يسبقون إلى دخول الجنة قال في مختار الصحاح كأصله واللهثان بفتح الهاء العطش وبسكونها العطشان والمرأة لهثى وبابه طرب ولهاثاً أيضا بالفتح واللهاث بالضم حر العطش ولهث الكلب أخرج لسانه من العطش والتعب قال الزمخشري‏:‏ من المجاز هو يقاسي لهاث الموت شدته ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي من بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة‏)‏ يعني احتاطت به الظلمة من جميع جهاته الست بحيث صار مغموساً فيها مغموراً ‏(‏فجاءته حجته وعمرته فاستخرجاه من الظلمة‏)‏ إلى النور والظلمة عدم النور وجمعها ظلم وظلمات كغرف وغرفات في وجوهها والظلام أول الليل والظلماء الظلمة ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي جاءه ملك الموت‏)‏ أي عزرائيل عليه السلام على ما اشتهر قال ولم أقف على تسميته بذلك في الخبر ‏(‏ليقبض روحه‏)‏ أي ينزعها من جسده ويأخذها يقال قبضت الشيء قبضاً أخذته ‏(‏فجاءه بره‏)‏ بكسر الباء ‏(‏بوالديه فرده عنه‏)‏ أي رد ملك الموت عن قبض روحه في ذلك الوقت لما أن بر الوالدين يزيد في العمر وقد جاء ذلك في عدة أخبار وذلك بالنسبة لما في اللوح أو الصحف أما العلم الأزلي فلا يتغير قال الحكيم‏:‏ فبر الوالدين شكر لأنه قال ‏{‏اشكر لي ولوالديك إليّ المصير‏}‏ فإذا برهما فقد شكرهما وقال في تنزيله ‏{‏لئن شكرتم لأزيدنكم‏}‏ وإنما وجد العبد العمر من ربه في وقت انفصاله من أمه وقد كان في البطن حياة ولم

‏[‏ص 23‏]‏ يكن عمر فلما خرج أعطي العمر بمقدار فإذا وصل والديه ببر كان قد وصل الرحم الذي منه خرج والصلب الذي منه جرى فكان فعله ذاك شكراً فزيد منه العمر الذي شكر من أجله فرد عنه ملك الموت، يعلمك في هذا الحديث أن العبد إذا وصل رحمه زيد في عمره لأنه بالصلة صار شاكراً فشكر اللّه له ووفى له بما وعد في تنزيله فزاد في عمره ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي يكلم الناس ولا يكلمونه فجاءته صلة الرحم‏)‏ بكسر الصاد إحسانه إلى أقاربه بالقول والفعل ‏(‏فقالت إن هذا كان واصلاً لرحمه‏)‏ أي باراً لهم محسناً إليهم كما تقرر‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز وصل رحمه وأمر اللّه بصلة الرحم أي القرابة ‏(‏فكلمهم وكلموه وصار معهم‏)‏ هكذا ساقه المصنف والذي رأيته في خط مخرجه الحكيم رأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين فلا يكلمونه فجاءته صلة الرحم فقالت‏:‏ يا معشر المؤمنين كلموه فكلموه انتهى فالرحم أصل المؤمنين كلهم فمن تمسك بصلاته فقد أرضى المؤمنين كلهم ومن قطعها فقد أغضبهم كلهم وأيسوا من خيره وانقطعت الرحمة عنه لأن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم كما في حديث ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي يتقي وهج النار بيديه عن وجهه‏)‏ أي يجعل يديه وقاية لوجهه لئلا يصيبه حر النار وشررها والوهج بفتحتين كما في الصحاح كغيره حر النار والوهج بسكون الهاء مصدر وهجت النار من باب وعد هجاناً أيضاً بفتح الهاء أي اتقدت وأوهجها غيره وتوهجت توقدت ولها وهيج أي توقد ‏(‏فجاءته صدقته‏)‏ أي جاء تمليكه شيئاً لنحو الفقراء بقصد ثواب الآخرة ‏(‏فصارت ظلاً على رأسه‏)‏ أي وقاية عن وهج الشمس يوم تدنو من الرؤوس يقال أنا في ظل فلان أي في ستره وظل الليل سواده لأنه يستر الأبصار عن النفوذ قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز بتنا في ظل فلان ‏(‏وستراً عن وجهه‏)‏ أي حجاباً عنه لأنه إذا تصدق فإنما يفدي نفسه ويفك جنايته والسترة ما يستر المار من المرور أي يحجبه كما في المصباح وغيره ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي جاثياً على ركبتيه بينه وبين اللّه حجاب فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على اللّه تعالى‏)‏ وذلك لأن الأخلاق مخزونة عند اللّه في الخزائن كما تقدم في حديث فإذا أحب اللّه عبداً منحه خلقاً منها ليدر عليه ذلك الخلق كرائم الأفعال ومحاسن الأمور فيظهر ذلك على جوارحه ليزداد العبد بذلك محبة توصله إليه في الدنيا قلباً وفي الآخرة بدناً وإذا أحب اللّه عبداً أهبط عليه خلقاً من أخلاقه وإذا رحمه أذن له في عمل من أعمال البر فهذه ثمرة الرحمة وتلك ثمرة المحبة ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي جاءته زبانية العذاب‏)‏ لفظ رواية الحكيم ‏(‏قد أخذته الزبانية من كل مكان‏)‏ أي الملائكة الذين يدفعون الناس في نار جهنم للعذاب من الزبن وهو الدفع يقولون أراد فلان حاجة فزبنه عنها فلان دفعه والناقة تزبن ولدها وحالبها عن ضرعها وزابنه دافعه وتزابنوا تدافعوا ووقع في أيدي الزبانية قال الزمخشري‏:‏ وهم الشرط لزبنهم الناس وبه سميت زبانية النار لدفعهم أهلها إليها اهـ‏.‏ ‏(‏فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من ذلك‏)‏ أي استخلصاه منهم ومنعهم من دفعه فيها وفي رواية الحكيم بدله فاستنقذاه إلخ أدخلاه على ملائكة الرحمة قال‏:‏ فالزبانية شرط الملائكة والشرط لمن جاهر بالمعصية من أهل الريب يأخذونهم فمن استتر بستر اللّه وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو وإن استعمل أعمال أهل الريب بعد أن يكون مستوراً لا ينهتك فينفعه في القيامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فينجيه من الزبانية ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي هوى في النار‏)‏ أي سقط من أعلاها إلى

‏[‏ص 24‏]‏ أسفلها والمراد نار جهنم ‏(‏فجاءته دموعه‏)‏ جمع دمع وهو ماء العين المتساقط عند البكاء لحزن القلب ‏(‏اللاتي بكى بها في الدنيا من خشية اللّه‏)‏ أي من خوف عقابه أو عتابه أو عدم رضاه ‏(‏فأخرجته من النار‏)‏ نار جهنم فهذا عبد استوجب النار بعمله فأدركته الرحمة ببكائه من الخشية فأنقذته لأن دمعة من الخشية تطفئ بحوراً من النيران ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي قد هوت صحيفته إلى شماله‏)‏ أي سقطت صحيفة أعماله في يده اليسرى والصحيفة ما يكتب فيه من نحو قرطاس أو جلد ولفظ رواية الحكيم بدل إلى شماله من قبل شماله ‏(‏فجاءه خوفه من اللّه فأخذ صحيفته‏)‏ من شماله ‏(‏فجعلها في يمينه‏)‏ ليكون ممن أوتي كتابه بيمينه فإن أعظم الأهوال في القيامة في ثلاثة مواطن عند نظائر الصحف وعند الميزان وعند الصراط بدليل حديث لا يذكر أحد أحداً في هذه المواطن فإذا وقعت الصحيفة في يمينه أمن وظهرت سعادته لقوله سبحانه وتعالى ‏{‏فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً‏}‏ الآية، وسيجيء في خبر إن اللّه تعالى يقول‏:‏ لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين فمن أخفته في الدنيا أمنته في الآخرة فمن قاسى خوفه في الدنيا أوجب له الأمن يوم القيامة فإذا جاءه الهول عند نظائر الكتب جاءه الخوف فنفعه بأن جعل صحيفته في يمينه ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي قد خف ميزانه‏)‏ برجحان سيئاته على حسناته ‏(‏فجاءه أفراطه‏)‏ أي أولاده الصغار الذين ماتوا في حياته وذاق مرارة فقدهم‏:‏ جمع فرط بفتحتين ومنه يقال للطفل الميت اللّهم اجعله فرطاً أي أجراً متقدماً وافترط فلان فرطاً إذا مات له أولاد صغار ‏(‏فثقلوا ميزانه‏)‏ أي رجحوها فثقلها رجحانها قال في الكشاف ومنه حديث أبي بكر لعمر رضي اللّه تعالى عنهما في وصية له وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم يوم القيامة باتباع الحق وثقلها في الدنيا وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحسنات أن يثقل وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل وخفتها في الدنيا وحق لميزان لا يوضع فيه إلا السيئات أن يخف انتهى‏.‏

قال المولى التفتازاني كغيره جميع أحوال يوم القيامة من الصراط والميزان وغير ذلك أمور ممكنة أخبر بها الصادق فوجب التصديق بها ولا استبعاد في أن يسهل اللّه تعالى العبور على الصراط وإن كان أحدّ من السيف وأدق من الشعر وأن توزن صحائف الأعمال أو تجعل أجساماً نورانية وظلمانية فلا حاجة إلى تأويل الصراط بطريق الجنة وطريق النار أو الأدلة الواضحة أو العبادات أو الشريعة والميزان بالعدل والإدراك ونحو ذلك ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي على شفير جهنم‏)‏ أي على حرفها وشاطئها وشفير كل شيء حرفه كالنهر وغيره ومنه شفر الفرج ويقولون قعدوا على شفير النهر والبئر والقبر وقرحت أشفار عينيه من البكاء وهي منابت الهدب ‏(‏فجاءه وجله من اللّه تعالى‏)‏ أي خوفه منه ‏(‏فاستنقذه من ذلك‏)‏ أي خلصه ‏(‏ومضى‏)‏ فالوجل هو وقت انكشاف الغطاء لقلب المؤمن فإذا كان ذلك فتلك خشية العبد فاقشعر جلده، وإن جهنم حائلة يوم القيامة بين العباد وبين الجنة حتى تضرب الجسور وتهيأ القناطر فعندها يستبين الصراط وهو الطريق لأهلها فالخلق كلهم على شفير النار فوجل العبد يجعل له السبيل لقطعها ‏{‏إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير‏}‏ فالمغفرة نورها ساطع وهو نور الرأفة فإذا جاءت الرأفة وجد العبد قلباً وذهبت الحيرة وشجعت النفس فمضت ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي يرعد كما ترعد السعفة‏)‏ أي يضطرب كما تضطرب وتهتز أغصان النخل ‏(‏فجاءه حسن ظنه باللّه‏)‏ تعالى ‏(‏فسكن‏)‏ بالتشديد ‏(‏رعدته‏)‏ بكسر الراء فحسن الظن من المعرفة باللّه وعظم أمل العبد ورجائه لربه من المعرفة فلا يضيع اللّه معرفة العبد لأنه الذي منّ عليه بها فلم يرجع في منه وقابله بأن أعطاه حسن الظن به في الدنيا من تلك المعرفة وحقق ظنه فأنجاه وسكن رعدته حتى مضى والرعدة الاضطراب يقال أصابته رعدة من

‏[‏ص 25‏]‏ البرد والخوف اضطراب وارتعد وأرعد وأرعده الخوف ورجل رعديد بالكسر ورعديدة جبان تصيبه رعدة من الخوف وقال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز رعد لي فلان وأبرق أرعد والسعف أغصان النخل ما دامت بالخوص فإن جرّد الخوص قيل جريد ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على الصراط‏)‏ أي يجر أسته عليه لا يستطيع المشي ‏(‏مرة ويحبو مرة‏)‏ لفظ رواية الحكيم يزحف أحياناً ويحبو أحياناً هذا صريح في أن الحبو يغاير الزحف والذي في الصحاح والأساس وغيرهما أن الحبو الزحف فليحرّر ‏(‏فجاءته صلاته عليَّ فأخذت بيده فأقامته على الصراط حتى جاز‏)‏ أي حتى قطع الصراط ونفذ منه ومضى إلى الجنة سالماً يقال جاز المكان يجوزه سار فيه وأجازه بالألف قطعه وأجازه نفذه وجاز العقد وغيره نفذ ومضى على الصحة ولفظ رواية الحكيم بذل حتى جاز فأقامته ومضى على الصراط وذلك لأن الصلاة على المصطفى صلى اللّه عليه وسلم تأخذ بيده في وقت عثراته بمنزلة الطفل إذا مشى فتعثر في مشيه عجل إليه أبوه فبادر حتى يأخذ بيده فيقيمه فصارت صلوات العباد على نبيهم بمنزلة ذلك الأب العطوف الذي كلما عثر ولده بادر لعطفه بحفظه وإقامته ‏(‏ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا اللّه‏)‏ أي وأن محمداً رسول اللّه فاكتفى بأحد الشقين عن الآخر لكونه معروفاً بينهم ‏(‏فأخذت بيده فأدخلته الجنة‏)‏ أي فتحت له الأبواب التي أغلقت دونه فدخلها لأن هذه كلمة جامعة جعلت مفتاحاً لأبواب الجنة وقد جاء في حديث إن المؤمنين يدعون من باب الجنة وإن أبوابها مقسومة على أبواب البر فباب للصلاة وباب للصيام وباب للصدقة وباب للحج وباب للجهاد وباب للأرحام وباب لمظالم العباد وهو آخرها فهذه سبعة أبواب مقسومة على أعمال البر وكذلك أبواب النيران مقسومة على أهلها ولكل باب منهم جزء مقسوم وباب للجنة زائد لأهل الشهادة يسمى باب التوبة فأري رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المنام هذه الرؤيا ورؤيا الأنبياء حق ووحي ليعلم العباد قوة هذه الأفعال الصادرة من العبيد أيام الدنيا ينادى لكل نوع من هذه الأعمال من القوة هناك في الموقف وفي أي موطن يعينه ويؤيده ليعلم العباد أجناس هذه الأفعال ومنافعها عند ذلك الهول الأعظم‏.‏ قال جمع من الأعلام‏:‏ وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام فينبغي حفظه واستحضاره والعمل عليه مع الإخلاص فإنه الذي فيه الخلاص وقال ابن القيم‏:‏ كان شيخنا يعظم أمر هذا الحديث ويفخم شأنه ويعجب به ويقول أصول السنة تشهد له ورونق كلام النبوة يلوح عليه وهو من أحسن الأحاديث الطوال ليس من دأب المصنف إيرادها في هذا الكتاب لكنه لكثرة فوائده وجموم فرائده وأخذه بالقلوب اقتحم مخالفة طريقته فأورده إعجاباً بحسنه وحرصاً على النفع به ولهذا لما أورده الديلمي في الفردوس استشعر الاعتراض على نفسه فاعتذر بنحو ذلك‏.‏

قال القرطبي وغيره‏:‏ هذا حديث عظيم ذكر فيه أعمالاً خاصة تنجي من أحوال خاصة قال‏:‏ لكن هذا الحديث ونحوه من الأحاديث الواردة في نفع الأعمال لمن أخلص للّه في عمله وصدق اللّه في قوله وفعله وأحسن نيته في سره وجهره فهو الذي تكون أعماله حجة له دافعة عنه مخلصة إياه فلا تعارض بين هذا الحديث وبين أخبار آخر فإن الناس مختلفو الحال في خلوص الأعمال‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏طب‏)‏ وكذا الديلمي والحافظ أبو موسى المديني وغيرهم وكلهم ‏(‏عن عبد الرحمن بن سمرة‏)‏ بضم الميم قال‏:‏ خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم ونحن في مسجد المدينة فذكره قال الهيثمي‏:‏ رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما سليمان بن أحمد الواسطي وفي الآخر خالد بن عبد الرحمن ‏[‏ص 26‏)‏ المخزومي وكلاهما ضعيف انتهى وعزاه الحافظ العراقي أيضاً إلى الخرائطي في الأخلاق قال‏:‏ وسنده ضعيف انتهى وقال ابن الجوزي بعد ما أورده من طريقيه هذا الحديث لا يصح لكن قال ابن تيمية‏:‏ أصول السنة تشهد له وإذا تتبعت متفرقات شواهده رأيت منها كثيراً‏.‏

2653 - ‏(‏إن‏)‏ بالكسر شرطية وسيجيء عن الزمخشري توجيهها في نحو هذا التركيب ‏(‏أتخذ منبراً‏)‏ بكسر الميم من النبر وهو الارتفاع لأنه آلته أي إن كنت اتخذت منبراً لأخطب عليه فلا لوم عليَّ فيه ‏(‏فقد اتخذه‏)‏ من قبلي ‏(‏أبي إبراهيم‏)‏ الخليل عليه الصلاة والسلام وقد أمرت فيما أوحي إلي باتباعه قال ابن أبي زيد‏:‏ وكان اتخاذ نبينا صلى اللّه عليه وسلم له سنة سبع وقيل سنة ثمان أي من الهجرة وفي مسند البزار بسند فيه انقطاع إن أول من خطب على المنابر إبراهيم عليه السلام ‏(‏وإن أتخذ العصا‏)‏ لأتوكأ عليها وأغرزها أمامي في الصلاة ‏(‏فقد اتخذها‏)‏ من قبل ‏(‏أبي إبراهيم‏)‏ عليه الصلاة والسلام فلا لوم عليًّ في اتخاذها والظاهر أن مراده بها العنزة التي كان يمشي بها بين يديه وإذا صلى ركزها أمامه‏.‏

- ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏طب‏)‏ كلاهما ‏(‏عن معاذ‏)‏ بن جبل قال الهيثمي‏:‏ فيه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي وهو ضعيف‏.‏

2654 - ‏(‏إن اتخذت‏)‏ يا جابر ‏(‏شعراً‏)‏ أي أردت إبقاء شعر رأسك وأن لا تزيله بنحو حلق ‏(‏فأكرمه‏)‏ أي عظمه بدهنه وتسريحه وهذا قاله لجابر أو لأبي قتادة فكان بعد ذلك يرجله كل يوم مرتين كذا في الشعب للبيهقي فالرجل مأمور ندباً إما بإزالة شعره أو بالإحسان إليه بدهنه وترجيله‏.‏

- ‏(‏هب عن جابر‏)‏ وفيه أحمد بن منصور الشيرازي قال الذهبي في الضعفاء‏:‏ قال الدارقطني‏:‏ أدخل على جمع من الشيوخ بمصر وأنا بها‏.‏

2655 - ‏(‏إن أدخلت الجنة‏)‏ أي أدخلك اللّه إياها وجاء في رواية الطبراني أن المخاطب عبد الرحمن بن ساعدة ‏(‏أتيت بفرس من ياقوتة‏)‏ زاد في رواية حمراء ‏(‏له جناحان‏)‏ يطير بهما كالطير ‏(‏فحملت عليه‏)‏ أي أركبته ‏(‏ثم طار‏)‏ ذلك الفرس ‏(‏بك حيث شئت‏)‏ مقصود الحديث أن ما من شيء تشتهيه النفس في الجنة إلا تجده فيها كيف شاءت حتى لو اشتهى أحداً أن يركب فرساً لوجده بهذه الصفة ‏{‏وفيها ما تشتهيه الأنفس‏}‏‏.‏

‏{‏فائدة‏}‏ قال ابن عربي‏:‏ مراكب أهل الجنة تعظم وتصغر بحسب ما يريد الراكب‏.‏ قال القاضي‏:‏ معناه إن أدخلك اللّه الجنة فلا تشاء أن تحمل على فرس كذلك إلا حملت عليه والمعنى أنه ما من شيء تشتهيه الأنفس إلا وتجده في الجنة كيف تشاء حتى لو اشتهيت أن تركب فرساً على هذه الصفة لوجدت ذلك ويحتمل أن المراد إن أدخلك اللّه الجنة فلا تشاء أن يكون لك مركب من ياقوتة حمراء تطير بك حيث شئت ولا ترضى به فتطلب فرساً من جنس ما تجده في الدنيا حقيقة وصفة والمعنى فيكون لك من المراكب ما يغنيك عن الفرس المعهود ويدل على هذا المعنى ما جاء في رواية أخرى وهو إن أدخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة له جناحان فحملت عليه طار بك حيث شئت ولعله عليه الصلاة والسلام لما أراد أن يبين الفرق ‏[‏ص 27‏]‏ مراكب الجنة ومراكب الدنيا وما بينهما من التفاوت على سبيل التصوير والتمثيل مثل فرس الجنة من جوهرة بما هو عندنا أنفس الجواهر وأدومها وجوداً وأنفعها وأصفاها جوهراً وفي شدة حركته وسرعة انتقاله بالطيران اهـ‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في صفة الجنة ‏(‏عن أبي أيوب‏)‏ الأنصاري قال‏:‏ إن أعرابياً قال‏:‏ يا رسول اللّه إني أحب الخيل أفي الجنة خيل فذكره قال‏:‏ وسأله رجل هل في الجنة من إبل فلم يقل ما قال لصاحبه قال‏:‏ إن يدخلك اللّه الجنة يكون لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك اهـ ثم قال الترمذي‏:‏ إسناده ليس بالقوي ولا نعرفه من حديث أبي أيوب الأنصاري إلا من هذا الوجه اهـ نعم رواه الطبراني عنه أيضاً باللفظ المزبور قال المنذري والهيثمي‏:‏ ورجاله ثقات اهـ فكان ينبغي للمصنف أن يضمه إلى الترمذي في العزو‏.‏

2656 - ‏(‏إن أردت‏)‏ بكسر التاء خطاباً لعائشة ‏(‏اللحوق بي‏)‏ أي ملازمتي في منزلتي في الجنة قال في المصباح‏:‏ اللحوق اللزوم واللحاق الإدراك ‏(‏فليكفك من الدنيا كزاد الراكب‏)‏ فاعل فليكفك أي مثل الزاد للراكب وهو في الأصل راكب الإبل خاصة ثم أطلق على كل من ركب دابة ‏(‏وإياك‏)‏ بكسر الكاف ‏(‏ومجالسة الأغنياء‏)‏ أي احذري ذلك لأنه من مبادئ الطمع وسبب لازدراء نعمة اللّه تعالى لما يرى من سعة رزقهم فهو أمر بالتقليل من الدنيا والاكتفاء باليسير حتى يكون عيشه كما كانوا يعتادونه من الزاد الذي يتخذه المسافر‏.‏ قال الثوري‏:‏ إذا خالط الفقير الغني فاعلم أنه مراء وقال بعضهم‏:‏ إذا مال الفقير إلى الأغنياء انحلت عروته فإذا طمع فيهم انقطعت عصمته فإذا سكن إليهم ضل ‏(‏ولا تستخلقي‏)‏ بخاء معجمة وقاف ‏(‏ثوباً‏)‏ أي لا تعديه خلقاً من استخلق نقيض استجد ‏(‏حتى ترقعيه‏)‏ أي تخيطي على ما تخرق منه رقعة قال القاضي البيضاوي‏:‏ وروي بالفاء من استخلفه إذا طلب له خلفاً أي عوضاً واستعماله في الأصل بمن لكنه اتسع فيه بحرفها كما اتسع في قوله تعالى ‏{‏واختار موسى قومه‏}‏ انتهى‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ ومعنى الحديث أن الثوب إذا خلق جزء منه كان طرح جميعه من الكبر والمباهاة والتكاثر في الدنيا وإذا رقعه كان بعكس ذلك وقد ورد أن عمر طاف وعليه مرقعة باثنتي عشرة رقعة فيها من أديم ورقع الخلفاء ثيابهم وذلك شعار الصالحين وسنة المتقين حتى اتخذه الصوفية شعاراً فرقعت الجديد وأنشأته مرقعاً وذا ليس بسنة بل بدعة عظيمة وفعلة داخلة باب الرياء وإنما قصد الشارع بالترقيع استدامة الانتفاع بالثوب على هيئته حتى يبلى وأن يكون دافعاً للعجب ومكتوباً في ترك التكلف ومحمولاً على التواضع وقد قيل فيمن فعل ذلك منهم‏:‏

لبست الصوف مرقوعاً وقلتا * أنا الصوفي ليس كما زعمتا

فما الصوفي إلا من تصفى * من الأيام ويحك لو عقلتا

وقال الزين العراقي‏:‏ فيه أفضلية ترقيع الثوب وقد لبس المرقع غير واحد من الخلفاء الراشدين كعمر وعلي حال الخلافة لكن إنما يشرع ذلك بقصد التقلل من الدنيا وإيثار غيره على نفسه أما فعله بخلاً على نفسه أو غيره فمذموم لخبر إن اللّه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وكذا ما يفعله حمقاء الصوفية وجهالهم من تقطيع الثياب الجدد ثم ترقيعها ظناً أن هذا زي الصوفية وهو غرور محرم لأنه إضاعة مال وثياب شهرة ومقصود الحديث أن من أراد الارتقاء في درجات دار البقاء خفف ظهره من الدنيا واقتصر منها على أقل ممكن‏.‏

- ‏(‏ت ك‏)‏ في اللباس والرقاق أخرجه الترمذي والحاكم معاً من حديث سعيد بن محمد الوراق عن صالح بن حسان عن عروة ‏(‏عن عائشة‏)‏ قالت‏:‏ جلست أبكي عند رأس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ما يبكيك إن أردت إلخ‏.‏ قال الحاكم‏:‏ صحيح وشنع عليه الذهبي بأن الوراق عدم انتهى‏.‏ وذكر الترمذي في العلل أنه سأل عنه البخاري فقال‏:‏ صالح بن حسان منكر الحديث وصالح بن حسان الذي ‏[‏ص 28‏]‏ يروي عن ابن أبي ذئب ثقة إلى هنا كلامه وقال المنذري‏:‏ رواه الترمذي والحاكم والبيهقي من رواية صالح بن حسان وهو منكر الحديث وقال ابن حجر‏:‏ تساهل الحاكم في تصحيحه فإن صالحاً ضعيف عندهم انتهى وكما لم يصب الحاكم في الحكم بتصحيحه لم يصب ابن الجوزي في الحكم بوضعه وإن صالحاً ضعيف متروك لكن لم يتهم بالكذب‏.‏

2657 - ‏(‏إن أحببتم أن يحبكم اللّه تعالى‏)‏ أي يعاملكم معاملة المحب لكم ‏(‏ورسوله فأدوا‏)‏ الأمانة ‏(‏إذا ائتمنتم‏)‏ عليها ‏(‏واصدقوا إذا حدثتم‏)‏ بحديث ‏(‏وأحسنوا جوار من جاوركم‏)‏ بكف طرق الأذى عنه ومعاملته بالإحسان وملاطفته وفي إفهامه أن من خان الأمانة وكذب ولم يحسن جوار جاره لا يحبه اللّه تعالى ولا رسوله بل هو بغيض عندهما‏.‏

- ‏(‏طب عن عبد الرحمن بن أبي قراد‏)‏ ويقال ابن أبي القراد بضم القاف وخفة الراء الأنصاري السلمي ويقال له الفاكه قال‏:‏ كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فدعا بطهور فغمس يده فيه ثم توضأ فتبعناه فقال‏:‏ ما حملكم على ما صنعتم قلنا‏:‏ حب اللّه ورسوله فذكره قال الهيثمي‏:‏ فيه عبيد اللّه بن وافد القيسي وهو ضعيف‏.‏

2658 - ‏(‏إن أردت أن يلين قلبك‏)‏ أي لقبول امتثال أوامر اللّه وزاجره ‏(‏فأطعم المسكين‏)‏ المراد به ما يشمل الفقير ومن كلمات إمامنا البديعة إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ‏(‏وامسح رأس اليتيم‏)‏ أي من خلف إلى قدام عكس غير اليتيم أي افعل به ذلك إيناساً وتلطفاً به فإن ذلك يلين القلب ويرضي الرب‏.‏

- ‏(‏طب في مكارم الأخلاق هب عن أبي هريرة‏)‏ قال‏:‏ شكا رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قسوة قلبه فذكره وفي سنده رجل مجهول‏.‏

2659 - ‏(‏إن استطعتم أن تكثروا من الاستغفار‏)‏ أي طلب المغفرة من اللّه تعالى بأي صيغة دلت عليه والوارد أولى ‏(‏فافعلوا‏)‏ أي ما استطعتموه ‏(‏فإنه ليس شيء أنجح عند اللّه تعالى ولا أحب إليه منه‏)‏ لأن اللّه سبحانه يحب أسماءه وصفاته ويحب من تحلى بشيء منها ومن صفاته الغفار وإنما وجه الأمر للإكثار لأن الآدمي لا يخلو من ذنب أو عيب ساعة بساعة فيقابله بالاستغفار فإذا أدمن ذلك خرج من العيوب والذنوب وعادت عليه الستور التي هتكها عن نفسه باقتراف الذنوب وأخرج ابن عساكر أن زيد بن أسلم مرض فأراد أن يكتب وصية فلم يقدر لوصب يده فنام فرأى رجلاً مبيضاً فقال له‏:‏ أنا ملك الموت ما يبكيك ولم أؤمر بقبضك‏؟‏ قال‏:‏ ذكرت النار قال‏:‏ ألا أكتب لك براءة منها‏؟‏ فأخذ ورقة ثم كتبها ثم دفعها إلي فإذا فيها‏:‏ بسم اللّه الرحمن الرحيم أستغفر اللّه أستغفر اللّه حتى ملأ القرطاس قلت‏:‏ أين البراءة‏؟‏ قال‏:‏ تريد أوثق من هذا‏؟‏ فاستيقظت والقرطاس بيدي فيه ذلك‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏عن أبي الدرداء‏)‏‏.‏

2660 - ‏(‏إن استطعت أن تكون أنت المقتول ولا تقتل أحداً من أهل الصلاة فافعل‏)‏ سببه أن رجلاً قال لسعد بن ‏[‏ص 29‏]‏ أبي وقاص‏:‏ أخبرني عن عثمان قال‏:‏ كان أطولنا صلاة وأعظمنا نفقة في سبيل اللّه ثم سأله عن أمر الناس فقال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول فذكره‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن سعد‏)‏ بن أبي وقاص وفيه محمد بن يعلى زنبور أورده الذهبي في الضعفاء وقال‏:‏ قال أبو حاتم وغيره‏:‏ متروك عن الربيع بن صبح مضعف عن علي بن زيد ابن جدعان ضعفوه‏.‏

2661 - ‏(‏إن تصدق اللّه يصدقك‏)‏ قاله لأعرابي غزا معه فدفع إليه قسمه فقال‏:‏ ما على هذا اتبعتك ولكن اتبعتك أن أرمي إلى هنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة فقال له ذلك فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار فقال المصطفى صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ أهو هو‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم صدق اللّه فصدقه ثم كفنه في جبته ثم قدمه فصلى عليه فكان مما ظهر من صلاته اللّهم هذا عبدك خرج مجاهداً في سبيلك فقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك هكذا رواه النسائي مطولاً فاختصره المؤلف‏.‏

- ‏(‏ن ك عن شداد بن الهاد‏)‏ الليثي واسم الهاد أسامة بن عمرو وقيل له الهاد لأنه كان يوقد النار ليلاً ليهتدي إليه الأضياف‏.‏

2662 - ‏(‏إن تغفر اللّهم تغفر جماً‏)‏ أي كثيراً ‏(‏وأي عبد لك لا ألَمَّا‏)‏ أي لم يلم بمعصية يعني لم يتلطخ بالذنوب وألمَّ إذا فعل اللمم وهو صغار الذنوب واللمم في الأصل كما قال القاضي الشيء القليل وهذا بيت لأمية بن أبي الصلت تمثل به المصطفى صلى اللّه عليه وسلم والمحرّم عليه إنشاء الشعر لا إنشاده ومعناه إن تغفر ذنوب عبادك فقد غفرت ذنوباً كثيرة فإن جميع عبادك خطاؤون‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في التفسير ‏(‏ك‏)‏ في الإيمان والتوبة ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح وقال الحاكم على شرطهما وأقرّه الذهبي‏.‏

2663 - ‏(‏إن سركم أن تقبل‏)‏ في رواية بدله أن تزكو ‏(‏صلاتكم‏)‏ أي يقبلها اللّه منكم بإسقاط الواجب وإعطاء الأمر ‏(‏فليؤمكم خياركم في الدين‏)‏ لأن الإمامة وراثة نبوية وشفاعة دينية فأولى الناس بها أزكاهم وأتقاهم ليحسن الأداء وتقبل الشفاعة‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي ورواه الدارقطني عن أبي هريرة يرفعه بلفظ إن سركم أن تزكو صلاتكم فقدموا خياركم ثم قال‏:‏ فيه أبو الوليد خالد بن إسماعيل ضعيف وقال ابن القطان‏:‏ فيه العلاء بن سالم الراوي عن خالد مجهول‏.‏

2664 - ‏(‏إن سركم أن تقبل صلاتكم‏)‏ أي يقبلها اللّه ويثيبكم عليها ‏(‏فليؤمكم علماؤكم‏)‏ أي العاملون العالمون بأحكام الصلاة ‏(‏فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم‏)‏ أي هم الواسطة بينكم وبينه في الفيض لأن الواسطة الأصلي هو النبي صلى اللّه عليه وسلم وهم ورثته واستدل به وبما قبله ابن الجوزي للحنابلة على عدم صحة إمامة الفاسق وردَّه الذهبي بأنه لو صح لكان دليلاً على الأولوية‏.‏

- ‏(‏طب عن مرثد‏)‏ بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة ابن أبي مرثد ‏(‏الغنوي‏)‏ بفتح المعجمة والنون صحابي بدري استشهد في عهد المصطفى صلى اللّه عليه وسلم قال الهيثمي‏:‏ فيه يحيى بن يعلى الأسلمي ضعيف جداً انتهى‏.‏

2665 - ‏(‏إن شئتم أنبأتكم‏)‏ أي أخبرتكم ‏(‏ما أول ما يقول اللّه تعالى للمؤمنين يوم القيامة وما أول ما يقولون‏)‏ هم ‏(‏له‏)‏ قالوا‏:‏ ‏[‏ص 30‏]‏ أخبرنا يا رسول اللّه قال‏:‏ ‏(‏فإن اللّه يقول للمؤمنين هل أحببتم لقائي‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم‏)‏ أحببناه ‏(‏يا ربنا فيقول‏:‏ لم‏؟‏‏)‏ أحببتموه ‏(‏فيقولون رجونا عفوك ومغفرتك‏)‏ أي أملنا منك ستر الذنوب ومحو أثرها ‏(‏فيقول‏:‏ قد أوجبت لكم عفوي ومغفرتي‏)‏ لأنه عند ظن عبده به كما في الخبر الآخر فحقق لهم رجاءهم وفي رواية فيقول قد وجبت لكم رحمتي‏.‏

- ‏(‏حم طب عن معاذ‏)‏ ابن جبل قال الهيثمي‏:‏ فيه عبيد اللّه بن زحر ضعيف وأعاده مرة أخرى وقال‏:‏ رواه الطبراني بسندين أحدهما حسن انتهى‏.‏

2666 - ‏(‏إن شئتم أنبأتكم‏)‏ أي أخبرتكم ‏(‏عن الإمارة‏)‏ بكسر الهمزة أي عن شأنها وحالها ‏(‏وما هي أولها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل‏)‏ لأنها تحرك الصفات الباطنة وتغلب على النفس حب الجاه ولذة الاستيلاء ونفاذ الأمر وهو أعظم ملاذ الدنيا فإذا كانت محبوبة كان الوالي ساعياً في حظ نفسه متبعاً لهواه ويقدم على ما يريد وإن كان باطلاً وعند ذلك يهلك ومن ثم أخرج ابن عوف عن المقداد قال‏:‏ استعملني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عمل فلما رجعت قال‏:‏ كيف وجدت الإمارة قلت‏:‏ ما ظننت إلا أن الناس كلهم خول واللّه لا آلي على عمل أبداً‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا البزار ‏(‏عن عوف بن مالك‏)‏ قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي‏؟‏ فناديت بأعلى صوتي وما هي يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ أولها ملامة إلخ قال الهيثمي‏:‏ رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الكبير رجال الصحيح وقال المنذري‏:‏ رواه البزار والطبراني في الكبير ورواته رواة الصحيح‏.‏

2667 - ‏(‏إن قضى اللّه تعالى شيئاً‏)‏ أي قدر في الأزل كون ولد ‏(‏ليكونن‏)‏ أي لا بد من كونه وإبرازه للوجود ‏(‏وإن عزل‏)‏ الواطئ ماءه عن الموطوءة بأن أنزل خارج فرجها وهذا قاله لمن سأله عن العزل يعني فلا فائدة للعزل ولا لعدمه كما سبق تقريره‏.‏

- ‏(‏الطيالسي‏)‏ أبو داود ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏

2668 - ‏(‏إن قامت الساعة‏)‏ أي القيامة سميت به لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها أو لطولها فهو تلميح كما يقال في الأسود كافوراً ولأنها عند اللّه تعالى على طولها كساعة من الساعات عند الخلائق ‏(‏وفي يد أحدكم‏)‏ أيها الآدميون ‏(‏فسيلة‏)‏ أي نخلة صغيرة إذ الفسيل صغار النخل وهي الودي ‏(‏فإن استطاع أن لا يقوم‏)‏ من محله أي الذي هو جالس فيه ‏(‏حتى يغرسها فليغرسها‏)‏ ندياً قد خفي معنى هذا الحديث على أئمة أعلام منهم ابن بزيزة فقال‏:‏ اللّه أعلم ما الحكمة في ذلك انتهى‏.‏ قال الهيثمي‏:‏ ولعله أراد بقيام الساعة أمارتها فإنه قد ورد إذا سمع أحدكم بالدجال وفي يده فسيلة فليغرسها فإن للناس عيشاً بعد، والحاصل أنه مبالغة في الحث على غرس الأشجار وحفر الأنهار لتبقى هذه الدار عامرة إلى آخر أمدها المحدود المعدود المعلوم عند خالقها فكما غرس لك غيرك فانتفعت به فاغرس لمن يجيء بعدك لينتفع وإن لم يبق من الدنيا إلا صبابة وذلك بهذا القصد لا ينافي الزهد والتقلل من الدنيا وفي الكشاف كان ملوك فارس قد أكثروا من ‏[‏ص 31‏]‏ حفر الأنهار وغرس الأشجار وعمروا الأعمار الطوال مع ما فيهم من عسف الرعايا، فسأل بعض أنبيائهم ربه عن سبب تعميرهم فأوحى اللّه إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي، وأخذ معاوية في إحياء أرض وغرس نخل في آخر عمره فقيل له فيه فقال‏:‏ ما غرسته طمعاً في إدراكه بل حملني عليه قول الأسدي‏:‏

ليس الفتى بفتى لا يستضاء به * ولا يكون له في الأرض آثار

ومن أمثالهم أمارة إدبار الأمارة كثرة الوباء وقلة العمارة، وحكي أن كسرى خرج يوماً يتصيد فوجد شيخاً كبيراً يغرس شجر الزيتون فوقف عليه وقال له‏:‏ يا هذا أنت شيخ هرم والزيتون لا يثمر إلا بعد ثلاثين سنة فلم تغرسه فقال‏:‏ أيها الملك زرع لنا من قبلنا فأكلنا فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل فقال له كسرى‏:‏ زه وكانت عادة ملوك الفرس إذا قال الملك منهم هذه اللفظة أعطى ألف دينار فأعطاها الرجل فقال له‏:‏ أيها الملك شجر الزيتون لا يثمر إلا في نحو ثلاثين سنة وهذه الزيتونة قد أثمرت في وقت غراسها فقال كسرى‏:‏ زه فأعطى ألف دينار فقال له أيها الملك شجر الزيتون لا يثمر إلا في العام مرة وهذه قد أثمرت في وقت واحد مرتين فقال له زه فأعطى ألف دينار أخرى وساق جواده مسرعاً وقال‏:‏ إن أطلنا الوقوف عنده نفد ما في خزائننا‏.‏

- ‏(‏حم خد‏)‏ وكذا البزار والطيالسي والديلمي ‏(‏عن أنس‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ ورجاله ثقات وأثبات‏.‏

2669 - ‏(‏إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً‏)‏ أي يسعى على ما يقيم به أودهم ‏(‏فهو‏)‏ أي الإنسان الخارج لذلك أو الخروج أو السعي ‏(‏في سبيل اللّه‏)‏ أي في طريقه وهو مثاب مأجور إذ الخروج فيه كالخروج في سبيل اللّه أي الجهاد أو السعي كالسعي فيه ‏(‏وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين‏)‏ أي أدركهما الكبر أي الهرم عنده ‏(‏فهو في سبيل اللّه‏)‏ بالمعنى المقرر ‏(‏وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها‏)‏ أي عن المسألة للناس أو عن أكل الحرام أو عن الوطئ الحرام ‏(‏فهو في سبيل اللّه وإن كان خرج يسعى‏)‏ لا لواجب أو مندوب بل ‏(‏رياء ومفاخرة‏)‏ بين الناس ‏(‏فهو في سبيل الشيطان‏)‏ إبليس أو المراد الجنس أي في طريقهم أو على منهجهم‏.‏

- ‏(‏طب عن كعب بن عجرة‏)‏ بفتح فسكون قال‏:‏ مر على النبي صلى اللّه عليه وسلم رجل فرأى أصحابه من جلده ونشاطه ما أعجبهم فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه لو كان هذا في سبيل اللّه فذكره قال الطبراني‏:‏ لا يروى عن كعب إلا بهذا الإسناد تفرد به محمد بن كثير انتهى قال الهيثمي‏:‏ ورواه الطبراني في الثلاثة ورجال الكبير رجال الصحيح وسبقه إليه المنذري‏.‏

2670 - ‏(‏إن كان في شيء من أدويتكم خير‏)‏ أي شفاء ذكره القرطبي وأتى هنا بصيغة الشرط من غير تحقق الإخبار وجاء في البخاري الشفاء في ثلاث وذكرها فحقق الخبر ‏(‏ففي‏)‏ أي فهو في أي فيكون في ‏(‏شرطة محجم‏)‏ أي استفراغ الدم وهو بفتح الشين ضربة مشراط على محل الحجم ليخرج الدم والمحجم بالكسر قارورة الحجام التي يجتمع فيها الدم وبالفتح موضع الحجامة وهو المراد هنا ذكره بعضهم وقال القرطبي‏:‏ المراد هنا الحديدة التي يشترط بها قال في الفتح‏:‏ وإنما خصه بالذكر لأن غالب إخراجهم الدم بالحجامة وفي معناه إخراجه بالفصد ‏(‏أو شربة من عسل‏)‏ أي بأن ‏[‏ص 32‏]‏ يدخل في المعجزات المسهلة التي تسهل الأخلاط التي في البدن والمراد به حيث أطلق عسل النحل وفيه شفاء للناس ومنافعه لا تكاد تحصى فمن أراد الوقوف عليها فعليه بكتب المفردات أو الطب واقتبس بعضهم من لفظ الشك أن ترك التداوي أفضل يعني أنه فضيلة تسليماً للقضاء والقدر ‏(‏أو لذعة‏)‏ وفي رواية أو كية ‏(‏بنار‏)‏ بذال معجمة وعين مهملة أي حرقتها والمراد الكي‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ واللذع الخفيف مس الإحراق ومنه لذعه بلسانه وهو أذى يسير ومنه قيل للذكي الفهم الخفيف لوذع ولوذعي ‏(‏توافق داء‏)‏ فتذهبه قال بعضهم‏:‏ أشار به إلى جميع ضروب المعالجات القياسية وذكر أن العلل منها ما هو مفهوم السبب وغيره فالأول لغلبة أحد الأخلاط الأربعة فعلاجه باستفراغ الإمتلاء مما يليق به من المذكورات في الحديث فمنها ما يستفرغ بإخراج الدم بالشرط وفي معناه نحو الفصد ومنها ما يستفرغ بالعسل وما في معناه من المسهلات ومنها ما يستفرغ بالكي فإنه يجفف رطوبة محل المرض وهو آخر الطب وأما ما كان من العلل عن ضعف بعض القوى فعلاجه بما يقوي تلك القوة من الأشربة ومن أنفعها العسل إذا استعمل على وجهه وما من العلل غير مفهوم السبب كسحر وعين ونظرة جني فعلاجه بالرقى وأنواع من الخواص وإلى هذا أشار بزيادته في رواية أو آية في كتاب اللّه وقال القرطبي‏:‏ إنما خص المذكورات لأنها أغلب أدويتهم وأنفع لهم من غيرها بحكم العادة ولا يلزم كونها كذلك في حق غيرهم ممن يخالفهم في البلد والعادة والهوى والمشاهدة قاضية باختلاف العلاج والأدوية باختلاف البلاد والعادة ‏(‏وما أحب أنا أن أكتوي‏)‏ لشدة ألم الكي فإنه يزيد على ألم المرض فلا يفعل إلا عند عدم قيام غيره مقامه ولأنه يشبه التعذيب بعذاب اللّه انتهى، فإن قيل‏:‏ أصل إن الشرطية أن تستعمل في المشكوك وثبوت الخيرية في شيء من أدويتهم لا على التعيين محقق عندهم فما وجه إن‏؟‏ فالجواب‏:‏ أنها قد تستعمل لتأكيد تحقق الجواب كما يقال لمن يعلم أن له صديقاً إن كان له صديق فهو زيد‏.‏

- ‏(‏حم ق ن‏)‏ من حديث عاصم ‏(‏عن جابر‏)‏ ابن عبد اللّه قال‏:‏ جاءنا جابر في أهلنا ورجل يشتكي جراحاً به أو جراحاً فقال‏:‏ ما تشتكي فقال‏:‏ جراح بي قد شق عليَّ فقال‏:‏ يا غلام ائتني بحجام فقال الغلام‏:‏ ما تصنع به قال‏:‏ أريد أن أعلق عليه محجماً قال‏:‏ واللّه إن الذباب ليصيبني أو يصيب الثوب فيؤذيني ويشق عليَّ فلما رأى تبريه من ذلك قال‏:‏ إني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم يقول فذكره فجاء بحجام فشرطه فذهب عنه ما يجد‏.‏

2671 - ‏(‏إن كان شيء من الداء يعدي‏)‏ أي يجاوز صاحبه لغيره ‏(‏فهو هذا يعني الجذام‏)‏ هذا من كلام الراوي لا من تتمة الحديث قال في المطامح‏:‏ قوله إن كان دليل على أن هذا الأمر غير محقق عنده انتهى وحينئذ فلا تعارض بينه وبين خبر لا عدوى ولا طيرة وسيجيء تحقق الجمع بينه وبين خبر لا عدوى ولا طيرة‏.‏

- ‏(‏عد عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏

2672 - ‏(‏إن كان الشؤم‏)‏ ضد اليمن مصدر تشاءمت وتيمنت قال الطيبي‏:‏ واوه همزة خففت فصارت واواً ثم غلب عليها التخفيف ولم ينطق بها مهموزة ‏(‏في شيء‏)‏ من الأشياء المحسوسة حاصلاً ‏(‏ففي الدار والمرأة والفرس‏)‏ يعني إن كان للشؤم وجود في شيء يكون في هذه الأشياء فإنها أقبل الأشياء له لكن لا وجود له فيها فلا وجود له أصلاً ذكره عياض أي إن كان في شيء يكره ويخاف عاقبته ففي هذه الثلاث قال الطيبي‏:‏ وعليه فالشؤم محمول على الكراهة التي سببها ما في الأشياء من مخالفة الشرع أو للطبع كما قيل شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وشؤم المرأة عقمها وسلاطة لسانها وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها فالشؤم فيها عدم موافقتها له طبعاً أو شرعاً وقيل هذا إرشاد من النبي صلى اللّه عليه وسلم لمن له دار يكره سكناها أو امرأة يكره عشرتها أو فرس لا توافقه أن يفارقها بنقلة وطلاق ودواء ما لا تشتهيه النفس تعجيل بفراق أو بيع فلا يكون بالحقيقة من الطيرة قال القرطبي‏:‏ ومقتضى هذا السياق أنه لم يكن متحققاً لأمر ‏[‏ص 33‏]‏ الشؤم في الثلاث في الوقت الذي نطق لفظ الحديث فيه لكنه تحققه بعد ذلك فقال في الحديث الآتي إنما الشؤم إلخ وخص الثلاثة بالذكر لكونها أعم الأشياء التي يتداولها الناس وقال الخطابي‏:‏ اليمن والشؤم علامتان لما يصيب الإنسان من خير وشر ولا يكون شيء من ذلك إلا بقضاء اللّه تعالى وهذه الثلاثة ظروف جعلت مواقع الأقضية ليس لها بأنفسها وطبائعها فعل ولا تأثير لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الإنسان ولا يستغني عن دار يسكنها وزوجة يعاشرها وفرس يرتبطه ولا يخلو عن عارض مكروه في زمانه أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكان‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ ‏(‏حم خ ه عن سهل بن سعد‏)‏ الساعدي ‏(‏ق عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ‏(‏ن عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه‏.‏

2673 - ‏(‏إن كنت عبدا للّه -‏[‏ في الأصل ‏"‏عبد الله‏"‏ وفي الفتح الكبير للنبهاني ‏"‏عبدا لله‏"‏، فاخترناه‏.‏ دار الحديث‏]‏- فارفع إزارك إلى أنصاف الساقين‏)‏ قال الزمخشري‏:‏ إن هذه من الشرط الذي يجيء به المدلى بأمره المتحقق لصحته هو كان متحققاً أنه عبد اللّه ومنه قوله تعالى ‏{‏إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي‏}‏ مع علمه بأنهم لم يخرجوا إلا لذلك واعلم أن إسبال الإزار بقصد الخيلاء حرام وبدونه مكروه ومثل الإزار كل ملبوس كقميص وسراويل وجبة وقباء ونحوها بل روي عن أبي داود الوعيد على إسبال العمامة قال الزين العراقي‏:‏ والظاهر أن المراد به المبالغة في تطويلها وتعظيمها لأجرها على الأرض فإنه غير معهود فالإسبال في كل شيء يحسبه قال‏:‏ ولو أطال أكمامه حتى خرجت عن المعتاد كما يفعله بعض المكيين فلا شك في تناول التحريم لما مس الأرض منها بقصد الخيلاء بل لو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يبعد فقد كان كم قميص المصطفى صلى اللّه عليه وسلم إلى الرسغ‏.‏

- ‏(‏طب هب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال‏:‏ دخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعليَّ إزار يتقعقع فقال‏:‏ من هذا فقلت‏:‏ عبد اللّه قال‏:‏ إن كنت إلخ فرفعت إزاري إلى نصف الساقين ولم تزل إزرته حتى مات قال الزين العراقي‏:‏ إسناده صحيح وقال الهيثمي‏:‏ رواه أحمد والطبراني بإسنادين وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح‏.‏

2674 - ‏(‏إن كنت‏)‏ أيها الرجل الذي حلف باللّه ثلاثاً أنه يحبني ‏(‏تحبني‏)‏ حقيقة كما تزعم ‏(‏فأعد للفقر تجفافاً‏)‏ أي مشقة وهو بكسر المثناة وسكون الجيم وبالفاء المكررة وهو ما جلل به الفرس ليقيه الأذى وقد يلبسه الإنسان فاستعير للصبر على مشاق الشدائد يعني أنك ادَّعيت دعوى كبيرة فعليك البينة وهو اختبارك بالصبر تحت أثقال الفقر الدنيوي الذي هو قلة المال وعدم الموافق وتحمل مكروهه وتجرع مرارته والخضوع والخشوع بملابسته بأن تعدَّ له تجفافاً والتجفاف إنما يكون جنة لرد الشيء كذا قرّره جمع وقال الزمخشري‏:‏ معناه فلتعدّ وقاءاً مما يورد عليه الفقر والتقلل ورفض الدنيا من الحمل على الجزع وقلة الصبر على شظف العيش‏.‏ اهـ‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ ذهب قوم إلى أن من أحبَّ أهل البيت افتقر وهو خلاف الحقيقة والوجود بل معنى الخبر فليقتد بنا في إيثارنا الفقر على الدنيا ‏(‏فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل‏)‏ إذا انحدر من علو ‏(‏إلى منتهاه‏)‏ أي مستقره في سرعة نزوله ووصوله والفقر جائزة اللّه لمن أحبه وأحبَّ رسوله وخلعته عليه وبره له لأنه زينة الأنبياء وحلية الأولياء وشبهه بالسيل دون غيره تلويحاً بتلاحق النوائب به سريعاً ولات حين مناص له منها‏.‏

- ‏(‏حم ت‏)‏ في الزهد ‏(‏عن عبد اللّه بن مغفل‏)‏ قال‏:‏ جاء رجل فقال يا رسول اللّه واللّه إني أحبك فقال‏:‏ انظر ماذا تقول قال‏:‏ واللّه إني أحبك ثلاثاً فذكره قال الطيبي‏:‏ قوله انظر ماذا تقول أي رمت أمراً عظيماً وخطباً كبيراً فتفكر فيه فإنك موقع نفسك في خطر وأي خطر تستهدفها غرض سهام ‏[‏ص 34‏]‏ البلايا والمصائب لاحقة به بسرعة لا خلاص له ولا مناص هذا على مقتضى قوله في الحديث الآتي المرء مع من أحب فيكون بلاؤه أشد من بلاء غيره فإن أشد الناس بلاءاً الأنبياء وفيه أن الفقر أشد البلاء وأعظم المصائب ورواه عنه أيضاً ابن جرير‏.‏

2675 - ‏(‏إن كنت صائماً‏)‏ شهراً بعد شهر ‏(‏رمضان‏)‏ الذي هو الفرض ‏(‏فصم‏)‏ ندباً ‏(‏المحرم فإنه شهر اللّه‏)‏ قال الزين العراقي‏:‏ هذا كالتعليل لاستحباب صومه بكونه شهر اللّه لا ما عللّه به القرطبي وابن دحية لكونه فاتحة السنة وتفضيل الأشخاص والأزمنة والأمكنة حيث ورد لا يعلل إلا إن ورد تعليله في كتاب أو سنة ‏(‏فيه يوم تاب اللّه فيه على قوم‏)‏ قال العراقي‏:‏ يحتمل أنه تتمة للعلة للأمر بصيامه أي فإنه كذا وكذا ويحتمل الاستئناف وأنه لا تعلق له بالأمر بالصوم وقوله ‏(‏ويتوب فيه على آخرين‏)‏ هذا من الإخبار بالغيب المستقبل قال‏:‏ والظاهر أن هذا اليوم المبهم يوم عاشوراء ففي حديث أبي هريرة أنه يوم تاب اللّه فيه على آدم لكن فيه ضرار بن عمرو ضعفه ابن معين وغيره وقد ورد أيضاً أنه تاب فيه على قوم يونس روى أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ في فضائل الأعمال أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ إن نوحاً هبط من السفينة يوم عاشوراء فصامه نوح وأمر من معه بصيامه شكراً للّه تعالى وفيه تاب اللّه على آدم وعلى أمه يونس وفيه فلق البحر لبني إسرائيل وفيه ولد إبراهيم وعيسى قال‏:‏ وفيه عثمان بن مطر منكر الحديث وقال وهب‏:‏ أوحى اللّه إلى موسى عليه السلام أن مر قومك أن يتوبوا إلي في عشر المحرم فإذا كان في اليوم العاشر فليخرجوا إليَّ أغفر لهم‏.‏ قال ابن رجب‏:‏ هذا الحديث حث على التوبة فيه وأنه أرجى لقبول التوبة انتهى‏.‏

- ‏(‏ت عن علي أمير المؤمنين‏)‏ قال‏:‏ قال رجل‏:‏ يا رسول اللّه أيَّ شهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان فذكره قال الترمذي‏:‏ حسن غريب قال الزين العراقي‏:‏ تفرد بإخراجه الترمذي وقد أورده ابن عدي في الكامل في ترجمة عبد اللّه الواسطي ونقل تضعيف الأئمة له أحمد ابن حنبل وابن معين والبخاري والنسائي انتهى وما ذكره من تفرد الترمذي به لعله من حديث علي وإلا فقد أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة قال‏:‏ جاء أعرابي بأرنب شواها فوضعها بين يديه فأمسك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلم يأكل وأمر القوم أن يأكلوا فأمسك الأعرابي فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ما يمنعك أن تأكل قال‏:‏ إني أصوم من كل شهر ثلاثة أيام فذكره‏.‏

2676 - ‏(‏إن كنت صائماً‏)‏ نفلاً ‏(‏فعليك بالغر البيض‏)‏ أي الزم صومها ‏(‏ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة‏)‏ أي ثالث عشر الشهر ورابع عشره وخامس عشره وهذا قاله لأبي ذر لما قال‏:‏ يا رسول اللّه إني صائم قال‏:‏ وأيُّ الصيام تصوم قال‏:‏ أول الشهر وآخره فقال له‏:‏ إن كنت صائماً إلخ قال أبو البقاء‏:‏ أي هنا منصوبة بتصوم والزمان معها محذوف تقديره أيُّ زمان الصوم تصوم ولذلك أجاب بفطر أول الشهر ولو لم يرد حذف المضاف لم يستقم لأن الجواب يكون على وفق السؤال فإذا كان الجواب بالزمان كان السؤال عن الزمان ويجوز أن لا يقدر في السؤال حذف مضاف بل يقدر في الجواب وبقدر صيام أول الشهر‏.‏

- ‏(‏ن طب عن أبي ذر‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ وفيه حكيم بن جبير وفيه كلام كثير رواه عنه أيضاً أحمد وفيه عنده عبد الرحمن بن عبد اللّه المسعودي وقد اختلط‏.‏

2677 - ‏(‏إن كنت لا بد سائلاً‏)‏ أي طالباً أمراً من الأمور ‏(‏فاسأل الصالحين‏)‏ أي أهل الأموال الذين لا يمنعون ما عليهم من الحق وقد لا يعلمون المستحق أو من يتبرك بدعاية وترجى إجابته إذا دعا لك أو الساعين في مصالح الخلق بنحو ‏[‏ص 35‏]‏ شفاعة ومعروف ومع ذلك لا يمنون على أحد بما أعطوه أو فعلوه معه لكون الواحد منهم يرى الملك للّه في الوجود ويرى نفسه كالوكيل المستخلف في مال سيده ليصرف منه على عبيده بالمعروف ومصداق ذلك في كلام اللّه ففي الزبور إن كنت لا بد تسأل عبادي فسل معادن الخير ترجع مغبوطاً مسروراً ولا تسأل معادن الشر فترجع ملوماً محسوراً وفيه قيل‏:‏ ‏"‏ اسأل الفضل إن سألت الكبارا ‏"‏‏.‏ قال المرسي‏:‏ قال لي الشيخ يعني العارف والشاذلي إن أردت أن تكون من أصحابي فلا تسأل من أحد شيئاً فمكثت على ذلك سنة ثم قال‏:‏ إن أردت كونك منهم فلا تقبل من أحد شيئاً فكنت أخرج إلى الساحل وألقط ما يقذفه البحر من القمح وقال في الحكم‏:‏ لا ترفعنَّ إلى غيره حاجة هو موردها عليك فكيف يرفع غيره ما كان هو له واضعاً، من لا يستطيع أن يرفع حاجته عن نفسه فكيف يستطيع أن يكون لها من غيره رافعاً ‏؟‏ ومن كلامهم البديع‏:‏ ‏"‏قرع باب اللئيم قلع ناب الكريم‏"‏‏.‏ وقال بعضهم‏:‏

إذا احتاج الكريم إلى اللئيم * فقد طاب الرحيل إلى الجحيم

وأنشد ابن الجوزي في الصفوة‏:‏

لا تحسبن الموت موت البلاء * وإنما الموت سؤال الرجال

كلاهما موت ولكن ذا * أشد من ذاك لذل السؤال

وقال بعضهم‏:‏

ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله * عوضاً ولو نال الغنى بسؤال

وإذا السؤال مع النوال وزنته * رجح السؤال وخف كل نوال

- ‏(‏د ن‏)‏ عن مسلم بن يخشى عن ابن الفراسي ‏(‏عن الفراسي‏)‏ بفتح الفاء قال‏:‏ قلت‏:‏ أسأل يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ لا ثم ذكره وإن كنت إلخ‏.‏ قال الطيبي‏:‏ اسأل أي اسأل وإن كنت عطف على محذوف أي لا تسأل الناس وتوكل على اللّه على كل حال وإن كان لا بد من السؤال فسل الصلحاء وخبر كان محذوف ولا بد معترضة مؤكدة بين الشرط والجزاء وفي وضع الصالحين موضع الكرماء إشارة إلى حل ما يمنحونه وصون عرض السائل صون مّا لأن الصالح لا يمنح إلا حلالاً ولا يكون إلا كريماً لا يهتك العرض اهـ قال عبد الحق وابن الفراسي‏:‏ لا يعلم أنه روى عنه إلا بكر بن سوادة‏.‏

2678 - ‏(‏إن كنت‏)‏ يا عائشة ‏(‏ألممت بذنب‏)‏ أي أتيته من غير عادة بل على سبيل الهفوة والسقطة وفي الصحاح الإلمام مقابلة المعصية من غير موافقة وهذا المعنى له هنا لطف عظيم معلوم بالذوق ‏(‏فاستغفري اللّه تعالى‏)‏ أي اطلبي منه الغفر أي الستر للذنب ‏(‏وتوبي إليه‏)‏ توبة صحيحة نصوحاً ‏(‏فإن التوبة من الذنب الندم والاستغفار‏)‏ وهذا بعض من حديث واتهام عائشة بصفوان والقصة مشهورة‏.‏

- ‏(‏هب عن عائشة‏)‏ وفيه إبراهيم بن بشار أورده الذهبي في الضعفاء وقال‏:‏ اتهمه أحمد وقال ابن معين‏:‏ ليس بشيء وقال ابن عدي‏:‏ صدوق ثم ظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد لا علاء من البيهقي ولا أحق بالعزو وهو ذهول فقد خرجه أحمد قال الهيثمي‏:‏ ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن يزيد الواسطي وهو ثقة اهـ وهو في الصحيحين بدون قوله فإن إلخ‏.‏

2679 - ‏(‏إن كنتم تحبون حلية الجنة‏)‏ بكسر الحاء وسكون اللام زينتها والمراد حلي الذهب والفضة ‏(‏وحريرها فلا ‏[‏ص 36‏]‏ تلبسوهما في الدنيا‏)‏ فإن من لبسهما من الرجال ومثلهم الخناثى في الدنيا لم يلبسهما في الآخرة كما في خبر آخر ويحرم على الرجل والخنثى استعمال حلي النقدين والحرير لغير ضرورة أو حاجة‏.‏

- ‏(‏حم ن ك عن عقبة بن عامر‏)‏ الجهني‏.‏

2680 - ‏(‏إن لقيتم عشاراً‏)‏ أي مكاساً أي وجدتم من يأخذ العشر على ما كان يأخذه أهل الجاهلية مقيماً على دينهم أو مستحلاً ‏(‏فاقتلوه‏)‏ لكفره قال في المصباح‏:‏ عشرت المال عشراً من باب قتل وعشوراً أخذت عشره واسم الفاعل على عاشر وعشار‏.‏

- ‏(‏طب عن مالك بن عتاهية‏)‏ بن حرب الكندي مصري قال الذهبي‏:‏ له هذا الحديث وفيه رجل مجهول وابن لهيعة اهـ وظاهر كلام المصنف أنه لم يره مخرجاً لأحق بالعزو من الطبراني وهو عجب فقد خرجه أحمد والبخاري في التاريخ وجازف ابن الجوزي فحكم بوضعه‏.‏

2681 - ‏(‏إن نساني الشيطان شيئاً من صلاتي‏)‏ أي من واجباتها كنسيان الاعتدال والقعود بين السجدتين أو مندوباتها كالتشهد الأول ‏(‏فليسبح القوم‏)‏ أي الرجال ‏(‏وليصفق النساء‏)‏ ندباً ونبه بذكر النسيان على أن من نابه شيء في صلاته يسبح الذكر وتصفق الأنثى ندباً فإن صفق وسبحت لم يضر لكنه خلاف السنة قال الزمخشري‏:‏ القوم في الأصل مصدر قام فوصف به ثم غلب على الرجال لقيامهم بأمور النساء والتصفيق ضرب أحد صفقي الكفين على الآخر اهـ‏.‏

- ‏(‏د عن أبي هريرة‏)‏‏.‏

2682 - ‏(‏أنا محمد بن عبد اللّه‏)‏ علم منقول من مركب من إضافي سمي به بإلهام إلهي لجده لرؤيا رآها كما ذكر حديثها القيرواني العابر في كتاب البستان وهو أنه رأى سلسلة فضة خرجت منه لها طرف في السماء وطرف بالمشرق وطرف بالمغرب ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور وإذا أهل المشرقين معلقون بها فعبرت بمولود يتبعونه ويحمده أهل السماء ‏(‏ابن عبد المطلب‏)‏ اسمه شيبة الحمد أو غير ذلك وكنيته أبو الحارث كان مفزع قريش وشريفهم وملجأهم في الأمور وموئلهم في النوائب وأول من خضب بالسواد وكان يرفع من مائدته للطير والوحش في رؤوس الجبال ومن ثم يقال له مطعم طير السماء والشيخ الجليل صاحب الطير الأبابيل وجعل باب الكعبة ذهباً وكانت له السقاية والزيارة والسدانة والرفادة والحجابة والإفاضة والندوة وحرم الخمر على نفسه في الجاهلية ‏(‏ابن هاشم‏)‏ اسمه عمرو ولقب به لأنه أول من هشم الثريد لقومه في الجدب قال النيسابوري‏:‏ كان النور على وجهه كالهلال لا يمر بشيء إلا سجد له ولا رآه أحد إلا أقبل نحوه، سأله قيصر أن يتزوج ابنته لما رأى في الإنجيل من صفة ابنه قال ابن الأثير‏:‏ مات وله عشرون أو خمس وعشرون سنة ‏(‏ابن عبد مناف‏)‏ اسمه المغيرة وكنيته أبو عبد شمس كان يقال له قمر البطحاء لجماله سمي به لطوله وكان مطاعاً في قريش ‏(‏بن قصيّ‏)‏ تصغير قصيّ أي بعيد لأنه بعد عن قومه في بلاد قضاعة مع أمه واسمه مجمع أو رند، ملكه قومه عليهم فكان أول ملك من بني كعب وكان لا يعقد عقد نكاح ولا غزو إلا في داره ‏(‏بن كلاب‏)‏ بكسر الكاف والتخفيف منقول من المصدر بمعنى المكالبة أو من الكلاب جمع كلب لقب به لحبه للصيد اسمه حكيم أو حكيمة أو عروة وكنيته أبو زرعة وهو أول من حلى السيوف بالنقد ‏(‏ابن مرة‏)‏ بضم الميم كنيته أبو يقظة ‏(‏بن كعب‏)‏ كنيته أبو هصيص وهو أول من قال أمَّا بعد وأول من جمع يوم ‏[‏ص 37‏]‏ العروبة، وكان يجمع قريشاً يومها فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم وأنه من ولده ‏(‏ابن لؤي‏)‏ بضم اللام وهمزة وتسهل ‏(‏ابن غالب‏)‏ كنيته أبو تيم ‏(‏ابن فهر‏)‏ بكسر فسكون اسمه قريش وإليه ينسب قريش فما كان فوقه فكناني ‏(‏بن مالك‏)‏ اسم فاعل من ملك يملك يكنى أبا الحارث ‏(‏ابن النضر‏)‏ بفتح فسكون اسمه قيس لقب به لنضارة وجهه وجماله ويكنى أبا مخلد أو عبد المطلب رأى في منامه شجرة خضراء خرجت من ظهره ولها أغصان نور من نور فجذبت إلى السماء فأوّلت بالعز والسؤدد ‏(‏بن كنانة‏)‏ لقب به لأنه كان ستراً على قومه كالكنانة أو الجعبة الساترة للسهام لأنه كان عظيم القدر يحج إليه العرب لعلمه وفضله ‏(‏بن خزيمة‏)‏ تصغير خزمة يكنى أبا أسد له مكارم وأفضال بعدد الرمال ‏(‏بن مدركة‏)‏ بضم فسكون اسمه عمرو وحكى الرشاطي عليه الإجماع وكنيته أبو هذيل لقب به لأنه أدرك أرنباً عجز عنها رفقاؤه ‏(‏بن إلياس‏)‏ بكسر الهمزة أو بفتحها ولامه للتعريف وهمزته للوصل عند الأكثر كنيته أبو عمرو وهو أول من أهدى البدن للبيت قيل وكان يسمع في صلبه تلبية النبي صلى اللّه عليه وسلم بالحج ولما مات أسفت زوجته خندف عليه فنذرت لا تقيم ببلد مات فيه ولا يظلها سقف وحرمت الرجال والطيب وخرجت سائحة حتى ماتت فضرب بها المثل ‏(‏بن مضر‏)‏ بضم ففتح معدول عن ماضر اسمه عمرو ومن كلامه من يزرع شراً يحصده وخير الخير أعجله واحملوا أنفسكم على مكروهها فيما يصلحها واصرفوها عن هواها فيما يفسدها وكانت له فراسة وقيافة ‏(‏ابن نزار‏)‏ بكسر النون والتخفيف من النذر القليل لأن أباه حين ولد نظر إلى نور النبوة بين عينيه ففرح به وأطعمه كثيراً وقال‏:‏ هذا نور في حق هذا وكنيته أبو إياد بن مسعد بن عدنان إلى هنا معلوم الصحة متفق عليه‏.‏ قال ابن دحية‏:‏ أجمعوا على أنه لا يجاوز عدنان وعن الحبر بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أباً لا يعرفون ومن ثم أنكر مالك على من رفع نسبه إلى آدم عليه السلام وقال‏:‏ من أخبره به أي لأنه من كلام المؤرخين ولا ثقة بهم قال ابن القيم‏:‏ ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل وهو الذبيح على الصواب‏.‏ قال‏:‏ والقول بأنه إسحاق باطل من عشرين وجهاً‏.‏ وقال ابن تيمية‏:‏ هو إنما يتلقى من أهل الكتاب وهو باطل بنص كتابهم ‏(‏وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني اللّه في خيرهما‏)‏ فرقة ‏(‏فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني من عهد الجاهلية‏)‏ قال مغلطاي‏:‏ إنما كان آباؤه فضلاء عظماء لأن النبوة ملك وسياسة عامّة والملك في ذوي الأحساب والأخطار وكلما كانت خصال الفضل أكثر كانت الرعية أكثر انقياداً وأسرع طاعة وكلما كان في الملك نقيصة نقصت أتباعه ورعاياه فلذا جعل من خير الفرق وخير البقاع ‏(‏وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي‏)‏ آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب تلتقي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من جهة آبائه في كلاب ‏(‏فأنا خيركم نسباً‏)‏ النسب اسم لعموم القرابة ‏(‏وخيركم أباً - البيهقي في الدلائل‏)‏ أي في كتابه دلائل النبوة‏.‏

- ‏(‏عن أنس‏)‏ ورواه الحاكم أيضاً باللفظ المزبور عن أنس المذكور قال‏:‏ بلغ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن رجالاً من كندة يزعمون أنه منهم فقال‏:‏ إنما يقول ذلك العباس وأبو سفيان إذا قدما إليكم ليأمنا بذلك وإنا لا ننتفي من آبائنا نحن بنو النضر بن كنانة ثم خطب الناس فقال‏:‏ أنا محمد إلخ‏.‏

‏[‏ص 38‏]‏ 2683 - ‏(‏أنا النبي‏)‏ عرفه باللام لحصر النبوة فيه ‏(‏لا كذب‏)‏ أي أنا النبي حقاً لا كذب فيه فلا أفر من الكفار ففيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب فكأنه قال أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى أهزم بل وعدني اللّه بنصره فلا يجوز لي أن أفر ‏(‏أنا ابن عبد المطلب‏)‏ نسب لجده لا لأبيه لشهرته به وللتصريف والتذكير فيما أخبرهم به الكهنة قبيل ميلاده أنه آن أن يظهر من بني عبد المطلب نبي فذكرهم بأنه ذلك المقول عنه لا للفخر فإنه كان يكرهه وينهى عنه ولا للعصبية لأنه كان يذمها ويزجر عنها ولا يشكل ذا بحرمة الشعر عليه لأن هذا إنما هو من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير صنعة ولا تكلف إلا أنه اتفق ذلك بغير قصد كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس في خطبهم ورسائلهم وإذا فتشت في كل كلام عن نحو ذلك وجدت الواقع في أوزان البحور غير عزيز ومنه في القرآن كثير‏.‏ قال بعض شراح الشفاء‏:‏ وذا عام في كل نبي لما في الشعر من الغلو ولا يقال قال الشافعي الشعر يزري بالعلماء فالنبوة أولى به‏.‏

- ‏(‏حم ن ق عن البراء بن عازب‏)‏‏.‏

2684 - ‏(‏أنا النبي لا كذب‏)‏ أي أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول وقوله لا كذب بسكون الباء وحكى ابن المنير عن بعضهم فتحها ليخرج عن الوزن قال في المصابيح‏:‏ وهذا تفسير للرواية الثابتة بمجرد خيال يقوم في النفس وقد ذكروا ما يدفع كون هذا شعراً فلا حاجة لإخراج الكلام عما هو عليه في الرواية‏.‏ ‏(‏أنا ابن عبد المطلب أنا أعرب العرب ولدتني قريش ونشأت في بني سعد بن بكر‏)‏ يعني استرضعت فيهم وهم من أفصح العرب ‏(‏فأنى يأتيني اللحن‏)‏ تعجب أي كيف يجوز عليَّ النطق باللحن وأنا أعرب العرب ولذلك أعيي فصحاء العرب الذين يتنافسون بالشعر في مناظم قريضهم ورجزهم ومقطعاتهم وخطبهم وما يتصرفون فيه من الكناية والتعريض والاستعارة والتمثيل وصنوف البديع وضروب المجاز والإفتتان في الإشباع والإيجاز حتى قعدوا مقهورين مغمورين وبقوا مبهوتين مبهورين حتى استكانوا وأذعنوا وأسهبوا في الاستعجاب وأمعنوا‏.‏